سورة الأنبياء - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ} يا معشر قريش {كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} شرفكم إن عملتم به أو لأنه بلسانكم أو فيه موعظتكم أو فيه ذكر دينكم ودنياكم والجملة أي فيه ذكركم صفة ل {كتاباً} {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} ما فضلتكم به على غيركم فتؤمنوا {وَكَمْ} نصب بقوله {قَصَمْنَا} أي أهلكنا {مِن قَرْيَةٍ} أي أهلها بدليل قوله {كَانَتْ ظالمة} كافرة وهي واردة عن غضب شديد وسخط عظيم لأن القصم أفظع الكسر وهو الكسر الذي يبين تلاؤم الأجزاء بخلاف الفصم فإنه كسر بلا إبانة {وَأَنشَأْنَا} خلقنا {بَعْدَهَا قَوْماً ءاخَرِينَ} فسكنوا مساكنهم.
{فَلَمَّا أَحَسُّواْ} أي المهلكون {بَأْسَنَا} عذابنا أي علموا علم حس ومشاهدة {إِذَا هُمْ مّنْهَا} من القرية و{إذا} للمفاجأة و{هم} مبتدأ والخبر {يَرْكُضُونَ} يهربون مسرعين، والركض ضرب الدابة بالرجل فيجوز أن يركبوا دوابهم يركضونها هاربين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب، أو شبهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراكضين لدوابهم فقيل لهم {لاَ تَرْكُضُواْ} والقائل بعض الملائكة {وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} نعمتم فيه من الدنيا ولين العيش. قال الخليل: المترف الموسع عليه عيشه القليل فيه همه {ومساكنكم لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} أي يقال لهم استهزاء بهم: ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غداً عما جرى عليكم ونزل بأموالكم فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة، أو ارجعوا واجلسوا كما كنتم في مجالسكم حتى يسألكم عبيدكم ومن ينفذ فيه أمركم ونهيكم ويقولوا لكم بم تأمرون وكيف نأتي ونذر كعادة المنعمين المخدمين، أو يسألكم الناس في أنديتكم المعاون في نوازل الخطوب، أو يسألكم الوافدون عليكم والطماع ويستمطرون سحاب أكفكم، أو قال بعضهم لبعض: لا تركضوا وارجعوا إلى منازلكم وأموالكم لعلكم تسألون مالاً وخراجاً فلا تقتلون، فنودي من السماء يا لثارات الأنبياء وأخذتهم السيوف فثم.


{قَالُواْ يَا وَيْلَنَآ قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظالمين} اعترافهم بذلك حين لا ينفعهم الاعتراف.
{فَمَا زَالَت تِلْكَ} هي إشارة إلى يا ويلنا {دَعْوَاهُمْ} دعاءهم و{تلك} مرفوع على أنه اسم {زالت} و{دعواهم} الخبر ويجوز العكس {حتى جعلناهم حَصِيداً} مثل الحصيد أي الزرع المحصود ولم يجمع كما لم يجمع المقدر {خامدين} ميتين خمود النار و{حصيدا خامدين} مفعول ثان ل (جعل) أي جعلناهم جامعين لمماثلة الحصد والخمود كقولك (جعلته حلواً حامضاً) أي جعلته جامعاً للطعمين.
{وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} اللعب فعل يروق أوله ولا ثبات له، ولاعبين حال من فاعل {خلقنا} والمعنى وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلق للهو واللعب، وإنما سويناها ليستدل بها على قدرة مدبرها ولنجازي المحسن والمسيء على ما تقتضيه حكمتنا، ثم نزه ذاته عن سمات الحدوث بقوله {لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً} أي ولداً أو امرأة كأنه رد على من قال: عيسى ابنه ومريم صاحبته {لاتخذناه مِن لَّدُنَّا} من الولدان أو الحور {إِن كُنَّا فاعلين} أي إن كنا ممن يفعل ذلك ولسنا ممن يفعله لاستحالته في حقنا. وقيل: هو نفي كقوله {وإن أدري} [الأنبياء: 109] أي ما كنا فاعلين.


{بَلْ نَقْذِفُ} {بل} إضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه منه لذاته كأنه قال سبحاننا أن نتخذ اللهو بل من سنتنا أن نقذف أي نرمي ونسلط {بالحق} بالقرآن {عَلَى الباطل} الشيطان أو بالإسلام على الشرك أو بالجد على اللعب {فَيَدْمَغُهُ} فيكسره ويدحض الحق الباطل، وهذه استعارة لطيفة لأن أصل استعمال القذف والدمغ في الأجسام، ثم استعير القذف لإيراد الحق على الباطل والدمغ لإذهاب الباطل فالمستعار منه حسي والمستعار له عقلي فكأنه قيل: بل نورد الحق الشبيه بالجسم القوي على الباطل الشبيه بالجسم الضعيف فيبطله إبطال الجسم القوي الضعيف {فَإِذَا هُوَ} أي الباطل {زَاهِقٌ} هالك ذاهب {وَلَكُمُ الويل مِمَّا تَصِفُونَ} الله به من الولد ونحوه.
{وَلَهُ مَن فِى السماوات والأرض} خلقاً وملكاً فأنى يكون شيء منه ولداً له وبينهما تنافٍ ويوقف على {الأرض} لأن {ومن عنده} منزلة ومكانة لا منزلاً ولا مكاناً يعني الملائكة مبتدأ خبره {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} لا يتعظمون {عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} ولا يعيون {يُسَبّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ} حال من فاعل {يسبحون} أي تسبيحهم متصل دائم في جميع أوقاتهم لا تتخلله فترة بفراغ أو بشغل آخر فتسبيحهم جارٍ مجرى التنفس منا. ثم أضرب عن المشركين منكراً عليهم وموبخاً فجاء ب (أم) التي بمعنى (بل) والهمزة فقال: {أَمِ اتخذوا الِهَةً مّنَ الأرض هُمْ يُنشِرُونَ} يحيون الموتى ومن الأرض صفة ل {الهة} لأن الهتهم كانت متخذة من جواهر الأرض كالذهب والفضة والحجر أو تعبد في الأرض فنسبت إليها كقولك (فلان من المدينة) أي مدني، أو متعلق ب {اتخذوا} ويكون فيه بيان غاية الاتخاذ، وفي قوله {هم ينشرون} زيادة توبيخ وإن لم يدعوا أن أصنامهم تحيي الموتى، وكيف يدعون ومن أعظم المنكرات أن ينشر الموتى بعض الموات لأنه يلزم من دعوى الألوهية لها دعوى الإنشار، لأن العاجز عنه لا يصح أن يكون إلهاً إذ لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور والإنشار من جملة المقدورات. وقرأ الحسن {ينشرون} بفتح الياء وهما لغتان أنشر الله الموتى ونشرها أي أحياها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8